كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال المفسرون: معنى {علا} تكبر، وتجبر بسلطانه، والمراد بالأرض أرض مصر.
وقيل: معنى {علا} ادعى الربوبية، وقيل: علا عن عبادة ربه {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فرقًا، وأصنافًا في خدمته يشايعونه على ما يريد، ويطيعونه، وجملة: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} مستأنفة مسوقة لبيان حال الأهل الذين جعلهم فرقًا وأصنافًا، ويجوز أن تكون في محلّ نصب على الحال من فاعل جعل، أي جعلهم شيعًا حال كونهم مستضعفًا طائفة منهم، ويجوز أن تكون صفة لطائفة، والطائفة هم بنو إسرائيل، وجملة: {يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْييِ نِسَاءهُمْ} بدل من الجملة الأولى، ويجوز أن تكون مستأنفة للبيان، أو حالًا، أو صفة كالتي قبلها على تقدير عدم كونها بدلًا منها، وإنما كان فرعون يذبح أبناءهم، ويترك النساء؛ لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل.
قال الزجاج: والعجب من حمق فرعون، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقًا عنده فما ينفع القتل، وإن كان كاذبًا فلا معنى للقتل {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} في الأرض بالمعاصي والتجبر، وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الإفساد.
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية، واستحضار صورتها، أي نريد أن نتفضل عليهم بعد استضعافهم، والمراد بهؤلاء: بنو إسرائيل، والواو في {ونريد} للعطف على جملة {إن فرعون علا} وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية؛ لأن بينهما تناسبًا من حيث أن كل واحدة منهما للتفسير والبيان، ويجوز أن تكون حالًا من فاعل {يستضعف} بتقدير مبتدأ، أي ونحن نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض كما في قول الشاعر:
نجوت وأرهنتهم ملكًا

والأوّل أولى {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي قادة في الخير، ودعاة إليه، وولاة على الناس، وملوكًا فيهم {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} لملك فرعون، ومساكن القبط، وأملاكهم، فيكون ملك فرعون فيهم، ويسكنون في مساكنه، ومساكن قومه، وينتفعون بأملاكه وأملاكهم {وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأرض} أي نجعلهم مقتدرين عليها وعلى أهلها مسلطين على ذلك يتصرّفون به كيف شاءوا.
قرأ الجمهور: {نمكّن} بدون لام، وقرأ الأعمش: {لنمكن} بلام العلة.
{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} قرأ الجمهور: {نرى} بنون مضمومة وكسر الراء على أن الفاعل هو الله سبحانه.
وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف: {ويرى} بفتح الياء التحتية والراء، والفاعل فرعون.
والقراءة الأولى ألصق بالسياق؛ لأن قبلها نريد ونجعل ونمكّن بالنون.
وأجاز الفراء: {ويري فرعون} بضم الياء التحتية، وكسر الراء، أي ويرى الله فرعون، ومعنى {مِنْهُمْ} من أولئك المستضعفين {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} الموصول هو المفعول الثاني على القراءة الأولى، والمفعول الأوّل على القراءة الثانية، والمعنى: أن الله يريهم، أو يرون هم الذي كانوا يحذرون منه، ويجتهدون في دفعه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد المولود من بني إسرائيل المستضعفين.
{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} أي ألهمناها وقذفنا في قلبها، وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل، وقيل: كان ذلك رؤيا في منامها، وقيل: كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك.
وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية، وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبيًا، و{أن} في {أَنْ أَرْضِعِيهِ} هي المفسرة، لأن في الوحي معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، أي بأن أرضعيه، وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن، ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين، وحذف همزة الوصل على غير القياس {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} من فرعون بأن يبلغ خبره إليه {فَأَلْقِيهِ فِي اليم} وهو بحر النيل، وقد تقدّم بيان الكيفية التي ألقته في اليمّ عليها في سورة طه {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي} أي لا تخافي عليه الغرق، أو الضيعة، ولا تحزني لفراقه {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} عن قريب على وجه تكون به نجاته {وجاعلوه مِنَ المرسلين} الذين نرسلهم إلى العباد.
والفاء في قوله: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ} هي الفصيحة، والالتقاط: إصابة الشيء من غير طلب، والمراد بآل فرعون هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر، وفي الكلام حذف، والتقدير: فألقته في اليمّ بعد ما جعلته في التابوت، فالتقطه من وجده من آل فرعون، واللام في {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} لام العاقبة، ووجه ذلك: أنهم إنما آخذوه؛ ليكون لهم ولدًا، وقرّة عين لا ليكون عدوًّا فكان عاقبة ذلك إنه كان لهم عدوًّا وحزنًا، ولما كانت هذه العداوة نتيجة لفعلهم، وثمرة له شبهت بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله، ومن هذا قول الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب

قول الآخر:
وللمنايا تربي كل مرضعة ** ودورنا لخراب الدهر نبنيها

قرأ الجمهور: {وحزنًا} بفتح الحاء، والزاي، وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف: {وحزنًا} بضم الحاء وسكون الزاي، واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم وهما لغتان كالعَدَم والعُدْم، والرَّشَد والرُّشْد، والسَّقَم والسُّقْم، وجملة {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} لتعليل ما قبلها، أو للاعتراض لقصد التأكيد؛ ومعنى {خاطئين} عاصين آثمين في كل أفعالهم وأقوالهم، وهو مأخوذ من الخطأ المقابل للصواب، وقرىء: {خاطين} بياء من دون همزة، فيحتمل أن يكون معنى هذه القراءة معنى قراءة الجمهور، ولكنها خففت بحذف الهمزة، ويحتمل أن تكون من خطا يخطو، أي تجاوز الصواب.
{وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ} أي قالت امرأة فرعون لفرعون، وارتفاع {قرّة} على أنه خبر مبتدأ محذوف، قاله الكسائي، وغيره.
وقيل: على أنه مبتدأ، وخبره: {لاَ تَقْتُلُوهُ} قاله الزجاج، والأوّل أولى.
وكان قولها لهذا القول عند رؤيتها له لما وصل إليها، وأخرجته من التابوت، وخاطبت بقولها: {لاَ تَقْتُلُوهُ} فرعون، ومن عنده من قومه، أو فرعون وحده على طريقة التعظيم له.
وقرأ عبد الله بن مسعود: {وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرّة عين لي ولك} ويجوز نصب {قرّة} بقوله: {لاَ تَقْتُلُوهُ} على الاشتغال.
وقيل: إنها قالت: لا تقتلوه فإن الله أتى به من أرض بعيدة، وليس من بني إسرائيل.
ثم عللت ما قالته بالترجي منها لحصول النفع منه لهم، أو التنبي له، فقالت: {عسى أَن يَنفَعَنَا} فنصيب منه خيرًا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وكانت لا تلد، فاستوهبته من فرعون فوهبه لها، وجملة: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} في محل نصب على الحال، أي وهم لا يشعرون أنهم على خطأ في التقاطه، ولا يشعرون أن هلاكهم على يده؛ فتكون حالًا من آل فرعون، وهي من كلام الله سبحانه.
وقيل: هي من كلام المرأة، أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه، وهم لا يشعرون، قال الكلبي، وهو بعيد جدًا.
وقد حكى الفراء عن السديّ عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس أن قوله: {لاَ تَقْتُلُوهُ} من كلام فرعون، واعترضه بكلام يرجع إلى اللفظ، ويكفي في ردّه ضعف إسناده.
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغًا} قال المفسرون: معنى ذلك: أنه فارغ من كل شيء إلاّ من أمر موسى كأنها لم تهتمّ بشيء سواه.
قال أبو عبيدة: خاليًا من ذكر كل شيء في الدنيا إلاّ من ذكر موسى، وقال الحسن وابن إسحاق، وابن زيد: فارغًا مما أوحى إليها من قوله: {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي} وذلك لما سوّل الشيطان لها من غرقه وهلاكه.
وقال الأخفش: فارغًا من الخوف والغمّ لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدّم من الوحي إليها، وروى مثله عن أبي عبيدة أيضًا.
وقال الكسائي: ناسيًا ذاهلًا، وقال العلاء بن زياد: نافرًا.
وقال سعيد بن جبير: والهًا كادت تقول: وا ابناه من شدّة الجزع، وقال مقاتل: كادت تصيح شفقة عليه من الغرق.
وقيل: المعنى: أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع، والدهش، قال النحاس: وأصحّ هذه الأقوال الأوّل، والذين قالوه أعلم بكتاب الله، فإذا كان فارغًا من كل شيء إلاّ من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي، وقول من قال: فارغًا من الغمّ غلط قبيح؛ لأن بعده: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري ومحمد ابن السميفع وأبو العالية وابن محيصن: {فزعا} بالفاء، والزاي، والعين المهملة من الفزع، أي خائفًا وجلًا، وقرأ ابن عباس: {قرعا} بالقاف المفتوحة، والراء المهملة المكسورة، والعين المهملة من قرع رأسه: إذا انحسر شعره، ومعنى {وَأَصْبَحَ} وصار، كما قال الشاعر:
مضى الخلفاء في أمر رشيد ** وأصبحت المدينة للوليد

{إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} {إن} هي: المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، أي إنها كادت لتظهر أمر موسى، وأنه ابنها من فرط ما دهمها من الدهش والخوف والحزن، من بدا يبدو: إذا ظهر، وأبدى يبدي: إذا أظهر، وقيل: الضمير في {به} عائد إلى الوحي الذي أوحى إليها، والأوّل أولى.
وقال الفراء: إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها لولا أن ربطنا على قلبها.
قال الزجاج: ومعنى الربط على القلب: إلهام الصبر، وتقويته، وجواب لولا محذوف، أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت، واللام في: {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} متعلق ب {ربطنا} والمعنى: ربطنا على قلبها؛ لتكون من المصدّقين بوعد الله، وهو قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} قيل: والباء في {لَتُبْدِي بِهِ} زائدة للتأكيد، والمعنى: لتبديه كما تقول: أخذت الحبل وبالحبل.
وقيل: المعنى: لتبدي القول به {وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصّيهِ} أي: قالت أمّ موسى لأخت موسى، وهي مريم: قصيه، أي تتبعي أثره، واعرفي خبره، وانظري أين وقع، وإلى من صار؟ يقال: قصصت الشيء: إذا اتبعت أثره متعرّفًا لحاله {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} أي أبصرته عن بعد، وأصله عن مكان جنب، ومنه الأجنبي.
قال الشاعر:
فلا تحرميني نائلًا عن جنابة ** فإني امرؤ وسط الديار غريب

وقيل: المراد بقوله: {عن جنب} عن جانب، والمعنى: أنها أبصرت إليه متجانفة مخاتلة، ويؤيد ذلك قراءة النعمان بن سالم عن جانب، ومحلّ: {عن جنب} النصب على الحال إما من الفاعل، أي بصرت به مستخفية كائنة عن جنب، وإما من المجرور، أي بعيدًا منها.
قرأ الجمهور: {بصرت} به بفتح الباء وضم الصاد، وقرأ قتادة بفتح الصاد، وقرأ عيسى بن عمر بكسرها.
قال المبرّد: أبصرته، وبصرت به بمعنى، وقرأ الجمهور: {عن جنب} بضمتين، وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن عليّ بفتح الجيم وسكون النون، وروي عن قتادة أيضًا أنه قرأ بفتحهما.
وروي عن الحسن أيضًا أنه قرأ بضم الجيم وسكون النون.
وقال أبو عمرو بن العلاء: إن معنى {عَن جُنُبٍ} عن شوق.
قال: وهي لغة جذام يقولون: جنبت إليك أي: اشتقت إليك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها تقصه وتتبع خبره، وأنها أخته.
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} المراضع جمع مرضع، أي منعناه أن يرضع من المرضعات.
وقيل: المراضع جمع مرضع بفتح الضاد، وهو الرضاع، أو موضعه، وهو الثدي، ومعنى {مِن قَبْلُ} من قبل أن نردّه إلى أمه، أو من قبل أن تأتيه أمه، أو من قبل قصها لأثره، وقد كانت امرأة فرعون طلبت لموسى المرضعات ليرضعنه، فلم يرضع من واحدة منهنّ فعند ذلك {قَالَتْ} أي أخته لما رأت امتناعه من الرضاع: {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي: يضمنون لكم القيام به، وإرضاعه {وَهُمْ لَهُ ناصحون} أي مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته.